في ما يبدو بالمقارنة المحلية بين المسلسلات الدرامية، لا تصل شعبية “إي أر” أو “ ريسكيو ناين وان وان” أو “دكتر هاوس”، تلك التي تُحققها مسلسلات “نور” أو أخواتها مثل “سنوات الضياع” وبقية السبحة التي “كرّت” خرزاتها. إلا أن تلك المسلسلات “الطبية الدرامية”، والتي يُقال بأنها تحكي قصصاً “واقعية” مما يدور في أروقة المستشفيات وغرف العمليات ومناقشات العاملين في الوسط الطبي، لا تزال تستحوذ على اهتمام جمهور واسع من المشاهدين على مستوى العالم وتُحقق النجاحات تلو الأخرى على مر السنوات.
و”إي أر” مسلسل أميركي، لشبكة “أن بي سي”، أتم في إبريل الماضي موسمه الخامس عشر، بعد عرض أولى حلقاته في عام 1994، ما يشهد له بالنجاح المنقطع النظير بين عموم المسلسلات التلفزيونية العالمية، الدرامية وغيرها، ونال العديد من الجوائز. واسم المسلسل مختصر من الحروف الأولى لغرفة الإسعاف باللغة
الإنجليزية emergency room. وهو وإن سبقته مسلسلات “ريسكيو ناين وان وان” و “شيكاغو هوب”، وتلاه “دكتور هاوس” إلا أنه ظل الأفضل والأشهر. والحديث ليس في وارد عرض أمثلة لمدى رغبة وتلهف الكثيرين معرفة المزيد عن كل ما يتعلق بصحتهم وسلامتها، وخاصة عند عرضها بأسلوب درامي تلفزيوني “واقعي”، بل هو عن جانب أخر فيما يتم عرضه من خلال “واقعيتها” للمعلومات الطبية.
وأذكر في عام 1996، أن أخبرني أحد الأستاذة في طب القلب أن ثمة دراسة صدرت في عدد ذلك الأسبوع من مجلة “نيو أنغلاند الطبية، 13 يونيو، بعنوان “ الإنعاش القلبي في المسلسلات التلفزيونية- معجزات ومغالطات”. وفي ملخص الدراسة، ذكر الباحثون من كارولينا الشمالية أن التلفزيون أصبح مصدراً مهماً لمعلومات المرضى عن عمليات إنقاذ حياة الإنسان بوسيلة الإنعاش القلبي CPR. ولأن من المهم مُشاركة المرضى للأطباء في قرارات جدوى استخدام هذه الوسيلة العلاجية، وبالتالي “توقعاتهم”، قام الباحثون بمتابعة حلقات مدة سنة من مسلسل “إي أر” و “شيكاغو هوب” و “ ريسكيو ناين وان وان”. وتعرف الباحثون على جميع حالات حصول إجراء عملية الإنعاش القلبي خلال تلك الحلقات، وسبب توقف القلب، وصفات حالات المرضى أولئك، والأمراض التي يشكون منها، ومدى نجاح إنقاذ حياتهم بعد توقف القلب لديهم باستخدام تلك الوسيلة العلاجية، أي الإنعاش القلبي.
وتوصل الباحثون في نتائجهم، أن ثمة 60 حالة من توقف القلب وتقديم الإنعاش القلبي، تم عرض مشاهدها في تلك الشريحة من الحلقات التلفزيونية. وكان أكثر من نصفها في مسلسل “إي أر”. وفي غالبية الحالات، كان سبب توقف القلب هو إصابات الحوادث، وأقل من 30% بسبب وجود أمراض في القلب بالأصل. و65% منها حصلت لدى الأطفال وصغار السن. وأن في 70% من تلك المحاولات الإنعاشية القلبية تم إنقاذ حياة المريض، وعاد القلب للنبض بشكل طبيعي وخرج المريض إلى بيته مُعافى.
وقال الباحثون إن هذا التصوير التلفزيوني لعمليات الإنعاش القلبي يُؤدي إلى أن تتكون لدى المشاهدين انطباعات غير واقعية unrealistic impression حول الإنعاش القلبي وفرص نجاحه في إنقاذ حياة المرضى. ولذا خلص الباحثون إلى القول بأن على الأطباء حال مناقشتهم استخدام الإنعاش القلبي مع المرضى أو عائلاتهم أن يكونوا واعين بصورة الإنعاش القلبي المرسومة في المسلسلات التلفزيونية، والمصدر المُغذي لسوء الإدراك في هذه الصورة لديهم. وتحديداً لاحظ الباحثون استخدام كلمة “مُعجزة” من قبل الأطباء المُعالجين في حوالي 60% من حالات نجاح عملية الإنعاش القلبي التي ظهرت في مسلسل “ريسكيو ناين وان وان”.
والتعليق العلمي الذي أبداه الباحثون صراحة على نتائج دراستهم تضمن العناصر التالية:
- أن هذه البرامج التلفزيونية الثلاث تُعطي انطباعاً مُضللاً حول نوعية الناس المُعرضين للاحتياج إلى عمليات الإنعاش القلبي. ذلك أن غالبيتهم في الحقيقة المُشاهدة في الحياة اليومية هي من كبار السن وليس الأطفال والمراهقين كما تقول هذه المسلسلات.
- سبب توقف العمل والاحتياج بالتالي للإنعاش القلبي هو في حوالي 85% من الحالات نتيجة وجود مرض بالأصل في القلب، بينما هذه المسلسلات تقول أن ذلك هو في 30% منها فقط. وهو ما يعني تخدير تفكير الكثيرين حول المخاطر الحقيقية لأمراض القلب.
- أن هذه الأرقام حول نسبة من تُكتب لهم النجاة من الموت بعد العلاج بالإنعاش القلبي هي أعلى بكثير من النسب المذكورة في نتائج الدراسات الطبية. إذْ في حين تقول المسلسلات التلفزيونية إن 70% ممن تتوقف قلوبهم يعودون للحياة، تقول حقائق الطب إن فرصة نجاة الشخص الكبير في السن حينما يُصاب بتوقف القلب لا تتجاوز 5% . وبالنسبة لكافة الأعمار، لا تتجاوز 30% في أشد الدراسات تفاؤلاً، و10% في أكثرها واقعية <